سورة البقرة - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (البقرة)


        


والهمزة في {أَتَأْمُرُونَ الناس} للتقرير مع التوبيخ والتعجب من حالهم. {بالبر} أي سعة الخير والمعروف ومنه البر لسعته، ويتناول كل خير ومنه قولهم (صدقت وبررت). وكان الأحبار يأمرون من نصحوه في السر من أقاربهم وغيرهم باتباع محمد عليه السلام ولا يتبعونه. وقيل: كانوا يأمرون بالصدقة ولا يتصدقون وإذا أتوا بالصدقات ليفرقوها خانوا فيها. {وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ} وتتركونها من البر كالمنسيات. {وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الكتاب} تبكيت أن تتلون التوراة وفيها نعت محمد عليه السلام أو فيها الوعيد على الخيانة وترك البر ومخالفة القول العمل. {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} أفلا تفطنون لقبح ما أقدمتم عليه حتى يصدكم استقباحه عن ارتكابه وهو توبيخ عظيم. {واستعينوا} على حوائجكم إلى الله {بالصبر والصلاة} أي بالجمع بينهما وأن تصلوا صابرين على تكاليف الصلاة محتملين لمشاقها وما يجب فيها من إخلاص القلب ودفع الوساوس الشيطانية والهواجس النفسانية ومراعاة الآداب والخشوع واستحضار العلم بأنه انتصاب بين يدي جبار السموات والأرض، أو استعينوا على البلايا والنوائب بالصبر عليها والالتجاء إلى الصلاة عند وقوعها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه نعى إليه أخوه قثم وهو في سفر فاسترجع وصلى ركعتين ثم قال: {واستعينوا بالصبر والصلاة} وقيل: الصبر الصوم لأنه حبس عن المفطرات ومنه قيل لشهر رمضان شهر الصبر. وقيل: الصلاة الدعاء أي استعينوا على البلايا بالصبر والالتجاء إلى الدعاء والابتهال إلى الله في دفعه. {وَإِنَّهَا} الضمير للصلاة أو للاستعانة. {لَكَبِيرَةٌ} لشاقة ثقيلة من قولك (كبر عَلَيَّ هذا الأمر) {إِلاَّ عَلَى الخاشعين} لأنهم يتوقعون ما ادخر للصابرين على متاعبها فتهون عليهم، ألا ترى إلى قوله: {الذين يَظُنُّونَ أَنَّهُم ملاقوا رَبّهِمْ} أي يتوقعون لقاء ثوابه ونيل ما عنده ويطمعون فيه. وفسر {يظنون} ب (يتيقنون) لقراءة عبد الله {يعلمون}، أي يعلمون أنه لا بد من لقاء الجزاء فيعملون على حسب ذلك، وأما من لم يوقن بالجزاء ولم يرج الثواب كانت عليه مشقة خالصة. والخشوع الإخبات والتطامن وأما الخضوع فاللين والانقياد. وفسر اللقاء بالرؤية وملاقو ربهم بمعاينوه بلا كيف. {وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجعون} لا يملك أمرهم في الآخرة أحد سواه.
{خالدون يابني إسراءيل اذكروا نِعْمَتِيَ التي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} التكرير للتأكيد {وَأَنّي فَضَّلْتُكُمْ} نصب عطف على {نعمتي} أي اذكروا نعمتي وتفضيلي. {عَلَى العالمين} على الجم الغفير من الناس يقال (رأيت عالماً من الناس) والمراد الكثرة. {واتقوا يَوْمًا} أي يوم القيامة وهو مفعول به لا ظرف. {لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ} مؤمنة.
{عَن نَّفْسٍ} كافرة {شَيْئاً} أي لا تقضي عنها شيئاً من الحقوق التي لزمتها. و{شيئاً} مفعول به أو مصدر أي قليلاً من الجزاء، والجملة منصوبة المحل صفة ويوماً والعائد منها إلى الموصوف محذوف تقديره لا تجزى فيه و{ولا يقبل منها شفاعةٌ} {ولا تقبل} بالتاء: مكي وبصري، والضمير في {منها} يرجع إلى النفس المؤمنة أي لا تقبل منها شفاعة للكافرة، وقيل: كانت اليهود تزعم أن آباءهم الأنبياء يشفعون لهم فأويسوا فهو كقوله: {فَمَا تَنفَعُهُمْ شفاعة الشافعين} وتشبث المعتزلة بالآية في نفي الشفاعة للعصاة مردود لأن المنفي شفاعة الكفار وقد قال عليه السلام: «شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي من كذب بها لم ينلها» {وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ} أي فدية لأنها معادلة للمفدي. {وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} يعاونون وجمع لدلالة النفس المنكرة على النفوس الكثيرة، وذكّر لمعنى العباد أو الأناسي.
{وَإِذْ نجيناكم مّنْ ءَالِ فِرْعَوْنَ} أصل آل أهل ولذلك يصغر بأهيل فأبدلت هاؤه ألفاً وخص استعماله بأولى الخطر كالملوك وأشباههم فلا يقال آل الإسكاف والحجام، وفرعون علم لمن ملك العمالقة كقيصر لملك الروم وكسرى لملك الفرس. {يَسُومُونَكُمْ} حال من {آل فرعون} أي يولونكم من سامه خسفاً إذا أولاه ظلماً، وأصله من سام السلعة إذا طلبها كأنها بمعنى يبغونكم {سُوءَ العذاب} ويريدونكم عليه ومساومة البيع مزيدة أو مطالبة، وسوء مفعول ثانٍ ل {يسومونكم} وهو مصدر سيئ. يقال: أعوذ بالله من سوء الخلق و{سوء} الفعل يراد قبحهما، ومعنى سوء العذاب، والعذاب كله سيئ أشده وأفظعه. {يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ} بيان لقوله {يسومونكم} ولذا ترك العاطف {وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ} يتركون بناتكم أحياء للخدمة، وإنما فعلوا بهم ذلك لأن الكهنة أنذروا فرعون بأنه يولد مولود يزول ملكه بسببه كما أنذروا نمرود فلم يغن عنهما اجتهادهما في التحفظ وكان ما شاء الله {وَفِي ذلكم بَلاءٌ} محنة إن أشير بذلكم إلى صنع فرعون، ونعمة إن أشير به إلى الانتجاء. {مّن رَّبّكُمْ}، صفة ل {بلاء} {عظِيمٌ} صفة ثانية.
{وَإِذْ فَرَقْنَا} فصلنا بين بعضه وبعض حتى صارت فيه مسالك لكم. وقرئ {فرّقنا} أي فصلنا يقال: فرق بين الشيئين وفَرَّقَ بين الأشياء لأن المسالك كانت اثني عشر على عدد الأسباط. {بِكُمُ البحر} كانوا يسلكونه ويتفرق الماء عند سلوكهم فكأنما فرق بهم، أو فرقناه بسببكم، أو فرقناه ملتبساً بكم فيكون في موضع الحال. رُوي أن بني إسرائيل قالوا لموسى عليه السلام: أين أصحابنا فنحن لا نرضى حتى نراهم، فأوحى الله إليه أن قل بعصاك هكذا، فقال بها على الحيطان فصارت فيها كوى فتراءوا وتسامعوا كلامهم. {فأنجيناكم وَأَغْرَقْنَا آل فِرْعَونَ وَأَنتُم تَنظُرونَ} إلى ذلك وتشاهدونه ولا تشكون فيه. وإنما قال: {وَإِذْ واعدنا موسى} لأن الله تعالى وعده الوحي ووعده هو المجيء للميقات إلى الطور.
{وعدنا} حيث كان بصري. لما دخل بنو إسرائيل مصر بعد هلاك فرعون ولم يكن لهم كتاب ينتهون إليه، وعد الله تعالى موسى أن ينزل عليه التوراة وضرب له ميقاتاً ذا القعدة وعشر ذي الحجة، وقال: {أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} لأن الشهور غررها بالليالي و{أربعين} مفعول ثانٍ ل {واعدنا} لا ظرف لأنه ليس معناه واعدناه في أربعين ليلة {ثُمَّ اتخذتم العجل} أي إلها فحذف المفعول الثاني ل {اتخذتم}، وبابه بالإظهار مكي وحفص {مِن بَعْدِهِ} من بعد ذهابه إلى الطور، {وَأَنتُمْ ظالمون} أي بوضعكم العبادة غير موضعها والجملة حال أي عبدتموه ظالمين. {ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُمِ} محونا ذنوبكم عنكم. {مِن بَعْدِ ذلك} من بعد اتخاذكم العجل. {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} لكي تشكروا النعمة في العفو عنكم.
{وَإِذْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الكتاب والفرقان} يعني الجامع بين كونه كتاباً منزلاً وفرقاناً يفرق بين الحق والباطل وهو التوراة ونظيره (رأيت الغيث والليث) تريد الرجل الجامع بين الجود والجراءة. أو التوراة والبرهان الفارق بين الكفر والإيمان من العصا واليد وغيرهما من الآيات، أو الشرع الفارق بين الحلال والحرام. وقيل: الفرقان انفلاق البحر أو النصر الذي فرق بينه وبين عدوه {لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} لكي تهتدوا.


{وَإِذْ قَالَ موسى لِقَوْمِهِ} للذين عبدوا العجل. {ياقوم إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ باتخاذكم العجل} معبوداً {فَتُوبُواْ إلى بَارِئِكُمْ} هو الذي خلق الخلق بريئاً من التفاوت. وفيه تقريع لما كان منهم من ترك عبادة العالم الحكيم الذي برأهم إبرياء من التفاوت إلى عبادة البقر الذي هو مثل في الغباوة والبلادة {فاقتلوا أَنفُسَكُمْ} قيل: هو على الظاهر وهو البخع. وقيل: معناه قتل بعضهم بعضاً. وقيل: أمر من لم يعبد العجل أن يقتلوا العبدة فقتل سبعون ألفاً. {ذلكم} التوبة والقتل {خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ} من الإصرار على المعصية. {فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التواب} المفضال بقبول التوبة وإن كثرت {الرحيم} يعفو الحوبة وإن كبرت. والفاء الأولى للتسبيب لأن الظلم سبب التوبة، والثانية للتعقيب لأن المعنى فاعزموا على التوبة فاقتلوا أنفسكم إذ الله تعالى جعل توبتهم قتل أنفسهم، والثالثة متعلقة بشرط محذوف كأنه قال فإن فعلتم فقد تاب عليكم. {وَإِذْ قُلْتُمْ ياموسى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حتى نَرَى الله جَهْرَةً} عياناً وانتصابها على المصدر كما تنصب القرفصاء بفعل الجلوس، أو على الحال من {نرى} أي ذوي جهرة. {فَأَخَذَتْكُمُ الصاعقة} أي الموت. قيل: هي نار جاءت من السماء فأحرقتهم. روي أن السبعين الذين كانوا مع موسى عليه السلام عند الانطلاق إلى الجبل قالوا له: نحن لم نعبد العجل كما عبده هؤلاء فأرنا الله جهرة. فقال موسى: سألته ذلك فأباه عليّ. فقالوا: إنك رأيت الله تعالى فلن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة. فبعث الله عليهم صاعقة فأحرقتهم. وتعلقت المعتزلة بهذه الآية في نفي الرؤية لأنه لو كان جائز الرؤية لما عذبوا بسؤال ما هو جائز الثبوت. قلنا: إنما عوقبوا بكفرهم لأن قولهم: إنك رأيت الله فلن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة كفر منهم. ولأنهم امتنعوا عن الإيمان بموسى بعد ظهور معجزته حتى يروا ربهم جهرة، والإيمان بالانبياء واجب بعد ظهور معجزاتهم ولا يجوز اقتراح الآيات عليهم. ولأنهم لم يسألوا سؤال استرشاد بل سؤال تعنت وعناد. {وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ} إليها حين نزلت. {ثُمَّ بعثناكم} أحييناكم وأصله الإثارة {مّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} نعمة البعث بعد الموت. {وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الغمام} جعلنا الغمام يظلكم وذلك في التيه سخر الله لهم السحاب يسير بسيرهم يظلهم من الشمس وينزل بالليل عمود من نار يسيرون في ضوئه وثيابهم لا تتسخ ولا تبلى {وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ المن} الترنجبين وكان ينزل عليهم مثل الثلج من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس لكل إنسان صاع. {والسلوى} كان يبعث الله عليهم الجنوب فتحشر عليهم السلوى وهي السماني فيذبح الرجل منها ما يكفيه.
وقلنا لهم {كُلُواْ مِن طيبات} لذيذات أو حلالات {مَا رزقناكم وَمَا ظَلَمُونَا} يعني فظلموا بأن كفروا هذه النعم وما ظلمونا {ولكن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} أنفسهم مفعول {يظلمون} وهو خبر (كان). {وَإِذْ قُلْنَا} لهم بعدما خرجوا من التيه. {ادخلوا هذه القرية} أي بيت المقدس أو أريحاء. والقرية المجتمع من قريت لأنها تجمع الخلق، أمروا بدخولها بعد التيه. {فَكُلُواْ مِنْهَا} من طعام القرية وثمارها. {حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا} واسعاً {وادخلوا الباب} باب القرية أو باب القبة التي كانوا يصلون إليها، وهم لم يدخلوا بيت المقدس في حياة موسى عليه السلام وإنما دخلوا الباب في حياته ودخلوا بيت المقدس بعده. {سُجَّدًا}.
حال وهو جمع ساجد، أمروا بالسجود عند الانتهاء إلى الباب شكراً لله تعالى وتواضعاً له. {وَقُولُواْ حِطَّةٌ} فعلة من الحط كالجلسة وهي خبر مبتدأ محذوف أي مسألتنا حطة أو أمرك حطة، والأصل النصب وقد قرئ به بمعنى حط عنا ذنوبنا حطة، وإنما رفعت لتعطي معنى الثبات. وقيل: أمرنا حطة أي أن نحط في هذه القرية ونستقر فيها. وعن عليّ رضي الله عنه: وهو بسم الله الرحمن الرحيم. وعن عكرمة: هو لا إله إلا الله. {نَّغْفِرْ لَكُمْ خطاياكم} جمع خطيئة وهي الذنب. {يغفر}: مدني {تغفر}: شامي. {وَسَنَزِيدُ المحسنين} أي من كان محسناً منكم. كانت تلك الكلمة سبباً في زيادة ثوابه ومن كان مسيئاً كانت له توبة ومغفرة. {فَبَدَّلَ الذين ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الذي قِيلَ لَهُمْ} فيه حذف وتقديره فبدل الذين ظلموا بالذي قيل لهم قولاً غير الذي قيل لهم، ف {بدل} يتعدى إلى مفعول واحد بنفسه وإلى آخر بالباء، فالذي مع الباء متروك والذي بغير باء موجود، يعني وضعوا مكان حطة قولاً غيرها أي أمروا بقول معناه التوبة والاستغفار فخالفوه إلى قول ليس معناه معنى ما أمروا به ولم يمتثلوا أمر الله. وقيل: قالوا مكان حطة حنطة. وقيل: قالوا بالنبطية حطا سمقاثا أي حنطة حمراء استهزاء منهم بما قيل لهم وعدولاً عن طلب ما عند الله إلى طلب ما يشتهون من أعراض الدنيا. {فَأَنزَلْنَا عَلَى الذين ظَلَمُواْ رِجْزًا} عذاباً. وفي تكرير {الذين ظلموا} زيادة في تقبيح أمرهم وإيذان بإنزال الرجز عليهم لظلمهم. {مِّنَ السماء} صفة لرجز {بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ} بسبب فسقهم. روي أنه مات منهم في ساعة بالطاعون أربعة وعشرون ألفاً وقيل سبعون ألفاً.


{وَإِذِ استسقى موسى لِقَوْمِهِ} موضع إذ نصب كأنه قيل: واذكروا إذا استسقى أي استدعي أن يسقي قومه. {فَقُلْنَا اضرب بّعَصَاكَ الحجر} عطشوا في التيه فدعا لهم موسى بالسقيا فقيل له اضرب بعصاك الحجر. واللام للعهد والإشارة إلى حجر معلوم، فقد روي أنه حجر طوري حمله معه وكان مربعاً له أربعة أوجه كانت تنبع من كل وجه ثلاث أعين لكل سبط عين وكانوا ستمائة ألف وسعة المعسكر إثنا عشر ميلاً، أو للجنس أي اضرب الشيء الذي يقال له الحجر، وهذا أظهر في الحجة وأبين في القدرة. {فانفجرت} الفاء متعلقة بمحذوف أي فضرب فانفجرت أي سالت بكثرة، أو فإن ضربت فقد انفجرت وهي على هذا فاء فصيحة لا تقع إلا في كلام بليغ. {مِنْهُ اثنتا عَشْرَةَ عَيْنًا} على عدد الأسباط وقرئ بكسر الشين وفتحها وهما لغتان، وعيناً تمييز. {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ} كل سبط {مَّشْرَبَهُمْ} عينهم التي يشربون منها. وقلنا لهم {كُلُواْ} من المن والسلوى. {واشربوا} من ماء العيون. {مِن رّزْقِ الله} أي الكل مما رزقكم الله. {وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأرض} لا تفسدوا فيها. والعيث أشد الفساد {مُفْسِدِينَ} حال مؤكدة أي لا تتمادوا في الفساد في حال فسادكم لأنهم كانوا متمادين فيه. {وَإِذْ قُلْتُمْ ياموسى لَن نَّصْبِرَ على طَعَامٍ واحد} هو ما رزقوا في التيه من المن والسلوى. وإنما قالوا على طعام واحد وهما طعامان لأنهم أرادوا بالواحد ما لا يتبدل، ولو كان على مائدة الرجل ألوان عدة يداوم عليها كل يوم لا يبدلها يقال لا يأكل فلان إلا طعاماً واحداً ويراد بالوحدة نفي التبدل والاختلاف. أو أرادوا أنهما ضرب واحد لأنهما معاً من طعام أهل التلذذ والترف وكانوا من أهل الزراعات فأرادوا ما ألفوا من البقول والحبوب وغير ذلك {فادع لَنَا رَبَّكَ} سله وقل له أخرج لنا {يُخْرِجْ لَنَا} يظهر لنا ويوجد {مِمَّا تُنبِتُ الأرض مِن بَقْلِهَا} هو ما أنبتته الأرض من الخضر والمراد به أطايب البقول كالنعناع والكرفس والكراث ونحوهما مما يأكل الناس. {وَقِثَّآئِهَا} يعني الخيار {وَفُومِهَا} هو الحنطة أو الثوم لقراءة ابن مسعود و{ثومها} {وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الذي هُوَ أدنى} أقرب منزلة وأدون مقداراً والدنو والقرب يعبر بهما عن قلة المقدار {بالذي هُوَ خَيْرٌ} أرفع وأجل. {اهبطوا مِصْرًا} من الأمصار أي انحدروا إليه من التيه. وبلاد التيه ما بين بيت المقدس إلى قنّسرين وهي اثنا عشر فرسخاً في ثمانية فراسخ، أو مصر فرعون. وإنما صرفه من وجود السببين وهما التأنيث والتعريف لإرادة البلد، أو لسكون وسطه كنوح ولوط وفيهما العجمة والتعريف {فَإِنَّ لَكُم} فيها {مَّا سَأَلْتُمْ} أي فإن الذي سألتم يكون في الأمصار لا في التيه.
{وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذلة والمسكنة} أي الهوان والفقر يعني جعلت الذلة محيطة بهم مشتملة عليهم فهم فيها كما يكون في القبة من ضربت عليه، أو ألصقت بهم حتى لزمتهم ضربة لازب كما يضرب الطين على الحائط فيلزمه. فاليهود صاغرون أذلاء أهل مسكنة وفقر إما على الحقيقة وإما لتصاغرهم وتفاقرهم خيفة أن تضاعف عليهم الجزية. {عليهم الذلة}: حمزة وعلي وكذا كل ما كان قبل الهاء ياء ساكنة وبكسر الهاء والميم: أبو عمرو. وبكسر الهاء وضم الميم: غيرهم. {وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ الله} من قولك (باء فلان بفلان) إذا كان حقيقاً بأن يقتل به لمساواته له. أي صاروا أحقاء بغضبه. وعن الكسائي حفوا {ذلك} إشارة إلى ما تقدم من ضرب الذلة والمسكنة والخلافة بالغضب. {بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بآيات الله وَيَقْتُلُونَ النبيين} بالهمزة: نافع وكذا بابه. أي ذلك بسبب كفرهم وقتلهم الأنبياء. وقد قتلت اليهود شعياء وزكريا ويحيى صلوات الله عليهم. والنبي من النبإ لأنه يخبر عن الله تعالى (فعيل) بمعنى (مفِعل) أو بمعنى (مفعَل). أو من نبا أي ارتفع، والنبوة المكان المرتفع. {بِغَيْرِ الحق} عندهم أيضاً فإنهم لو أنصفوا لم يذكروا شيئاً يستحقون به القتل عندهم في التوراة. وهو في محل النصب على الحال من الضمير في {يقتلون} أي يقتلونهم مبطلين {ذلك} تكرار للإشارة. {بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ} بسبب ارتكابهم أنواع المعاصي واعتدائهم حدود الله في كل شيء مع كفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء. وقيل: هو اعتداؤهم في السبت. ويجوز أن يشار بذلك إلى الكفر وقتل الأنبياء على معنى أن ذلك بسبب عصيانهم واعتدائهم لأنهم انهمكوا فيهما وغلوا حتى قست قلوبهم فجسروا على جحود الآيات وقتلهم الأنبياء، أو ذلك الكفر والقتل مع ما عصوا.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8